تاليف/فاطمة هانم طه يعقوب
ظلت أمي تردد جملتها ، حتي حفظناها عن
ظهر قلب ، ولم نعمل بها ابدا (نظموا اغراضكم ... رتبوا مقتنياتكم حتي يمكنكم
العثور عليها) ، كان الصباح في بيتنا هو
ساحة معركة ، نكون بعدها جاهزين للذهاب
الي المدرسة ، نتصايح اين كتابي ؟.. اين كراستي ؟.. اين قلمي ؟.. اين حقيبتي ؟..
اين حذائي ؟...اين شرابي ؟... اين ردائي ؟00اين لعبتي ؟ ... وهكذا كنا ندور حول
انفسنا وننفق كثيرا من الوقت والجهد حتي ننتهي من ارتداء ملابسنا وتجهيز حقائبنا،
والذهاب الي المدرسة ، كل هذا و امي المسكينه
تدور خلفنا هنا وهناك تساعدنا لنعثر علي اغراضنا ، يأست امي من حالنا، نحن
ثلاث صبيه ، لا نحب النظام ، ولم نتعود وضع اغراضنا في اماكنها الصحيحه ،
أي اننا لم ننفذ اوامر امي او الانصياع
لنصيحتها بحفظ اشيائنا في اماكنها الصحيحه ابدا ، وكذلك كانت عودتنا من
المدرسة تحول منزلنا الي حالة من الفوضي ، ملابس واحذية مبعثرة في كل
مكان ، و حين ننتهي من انجاز واجبتنا
المدرسية تتوزع الكتب والكراسات والاقلام
والادوات المدرسية بين الحجرات وربما في
المطبخ ايضا ، وامي المسكينه تدور وتلف تصلح
ما افسدناه ، ، وبعد فترة وجيزة من الزمن تعم الفوضي المنزل مرة اخري .
تعبت امي من اصلاح حالنا فكفت عن متابعتنا وتركتنا نتحمل نتائج تصرفاتنا
الفوضوية ، مما عرضنا لكثير من المشاكل والعقاب من معلمينا في المدرسة .
هكذا كان حالنا حين جأت جدتي لتعيش معنا ولاحظت ما كنا عليه من فوضي ، فقررت مساعدة امي علي
اصلاح حالنا ،و بعد ايام سمعت اخي الاكبر
يسأل ( اين ردائي الرياضي ؟ اين هو
؟ ) جاء صوت جدتي تقول... هل علقته علي شماعة الملابس في حجرتك ؟
اجاب اخي:
... لا.. كان هنا علي هذا الكرسي... ابتسمت جدتي وقالت : اذن هو في
البرميل ، نظرنا جميعا اليها في دهشة.... تساءل اخي :
برميل .. أي برميل ؟
قالت جدتي : البرميل الموجود في حجرة الخزين أعلي المنزل.... صحنا جميعا في
دهشة واستنكار ؟ في حجرة الخزين ؟!! ، تلك الحجرة التي نتجنب الدخول اليها خوفا من
مواجهة الحشرات والتي لم نصادفها هناك ابدا ، ولكنه خوف كمن في نفوسنا ، لظننا ان
الفئران دائما ما تكون مع الكراكيب والاشياء القديمة والتي تتخلص منها امي فتضعها
هناك ، أسرعنا جميعا نصعد الي حجرة الخزين
اعلي المنزل ، وجدناه .. برميل كبير وضع
في اخر الحجرة وبصعوبة كبيرة استطعنا
الوصول اليه ، ،ونحن نتلفت حولنا رعبا ،
حاول اخي ان يقلب البرميل علي
جانبه ليصل الي ما بداخله ، ولكنه لم يفلح
، كان عميقا جدا، اكبر من قامتنا الصغيرة
، مثبتا الي الارض ، تدلي اخي في جوفه،
ونحن نمسك برجليه حتي لا يقع داخل البرميل
، وهناك في القاع وجد رداءه ، بذلنا جهدا كبيرا حتي أخرجنا اخي من ذلك البرميل
اللعين ، في اليوم التالي ، بحثت عن كتاب
المطالعة الذي كنت اقراء فيه أمس ، لم اجده ، تري اين هو ؟ ؟اه تذكرت كنت اجلس علي طاولة الطعام ... نعم هنا.... تري اين هو؟ صحت اسأل
امي أين كتاب المطالعة يا امي ؟ لم اسمع
اجابه، لم تعد تساعدنا في البحث عن اغراضنا ،صرخت بصوت أعلي ...أين كتاب
المطالعة ؟ جاء صوتها( ابحث عنه) ، نظرت الي جدتي ، التي ابتسمت وقالت : عادتا اين يوضع الكتاب ؟
قلت : في ...في...في الحقيبة
تساءلت جدتي : او ؟ قلت :او علي المكتب .... قالت :هل وضعته
هناك؟ .... قلت : لا.... قالت : اذن ابحث عنه في البرميل...صرخت في
تزمر( البرميل ثانيا ؟ ) أسرعت الي هناك ، وجدته في قاع البرميل اللعين ، حاولت اخراجه،
ولكن قامتي مازالت صغيرة علي اجتياز تلك المسافة، بين حافة البرميل وقاعه، خجلت ان اطلب
المساعدة، نظرت حولي ، لم اجد سوي كرسي
قديم مستندا علي الحائط ، أسرعت بإحضاره و تسلقته ، .. تدليت داخل البرميل ، لامست
يدي الكتاب وأمسكت به ، حاولت الاعتدال لأغادر البرميل لم أستطيع رفع قامتي مرة
أخري ، صحت أنادي أمي ، للأسف لم تسمعني، كررت ندائي مرة ومرات وانا متدلي داخل
البرميل .. لكن لا فائدة .. لم يسمعني أحد
.. عانيت الكثير لفترة طويلة لدرجة انني بكيت يأسا، وخوفا، والما، حتي سمعت صوت أمي تدخل الحجرة تناديني ...صرخت
(امي انا هنا )، اخرجتني امي من البرميل
وانا اهتف من اعماقي ( أف أسلوب متعب ) ابتسمت امي وهي تدير راسها بعيدا
حتي لا اري ابتسامتها .
بقينا علي هذا الحال اكثر من شهرين
، كلما القينا شيء دون وضعه في مكانه الصحيح وجدناه في البرميل، فنصعد الي هناك
لأستعادته ، ويوما بعد يوم حرصنا علي تجنب
التعامل مع البرميل بوضع اغراضنا في
مكانها المناسب ، لقد وعينا الدرس الذي
ارادت جدتنا ان تعلمنا اياه، وهكذا عودنا
انفسنا علي تنفيذ نصيحة جدتي ( شيء من
النظام يريح ) ، و لم يمضي وقت طويل حتي اصبحنا
نضع كل شيء في مكانه الصحيح وكلما
اراد احدنا تأجل وضع شئ في مكانه كسلا او اهمالا... يتخيله ملقي في قاع
البرميل.... فيسرع بوضعه في مكانه الصحيح... وهو يردد ( شيء من النظام يريح) .
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق